الحديث عن موضوع الوافدين الذي باتت إثارته بشكل غير موضوعي موضة منذ مدة هو من النوع المشار إليه أعلاه، فالكثيرون قد يحجمون عن الادلاء بآرائهم المعارضة للرأي السائد بسبب الخوف من الاتهام بأنهم «مع الأجانب ضد أبناء وطنهم»، نظرا لنجاح بعض السياسيين في خلق موضوع يتم من خلاله تنفيس غضب المواطنين وحرف أنظارهم عن مواطن الخلل الحقيقية!
هل هنالك «بعض» الوافدين ممن تم تعيينه في مواقع أو بمميزات لا يستحقها أو يستطيع القيام بها العديد من المواطنين الكويتيين الحاصلين على المؤهلات نفسها وربما أكثر؟
بالتأكيد... لكني أزعم أن هذه ليست أصل المشكلة، بل لعلها عرض طبيعي وبسيط لمشكلة أكبر كثيراً.
المشكلة الحقيقية في الكويت وبعض دول الخليج الأخرى، هي مشكلة التركيبة السكانية، تلك التركيبة المختلة والتي لا تجد لها مثيلا في أي مكان آخر في العالم، إذ لا توجد دولة أخرى في ما عدا بعض دول الخليج يشكل مواطنوها فيها أقلية، فمواطنو الكويت يشكلون ما لا يتجاوز 32 في المئة من إجمالي السكان في البلاد، وتقل النسبة عن ذلك كثيرا في قطر والامارات مثلاً، وهو وضع فرضته معطيات بعضها مفهوم - ولا أقول مقبولاً - وبعضها الآخر فاسد بامتياز!
دول الخليج أيها السادة لم تتطور بشكل طبيعي، فقد انتقلت في فترة زمنية قصيرة من مجتمعات غاية في البساطة إلى مجتمعات غنية بشكل مفرط، وهذا الأمر كانت له تداعياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها، إلا أن ما يخص مقال اليوم من تلك التداعيات، هو زيادة الحاجة لأصحاب المهن والأيدي العاملة في مختلف المجالات، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لتدفق الراغبين في العمل إلى بلدان الخليج، كل هذا تم في ظل عدم تطوير قوانين الجنسية للسماح بتجنيس من تحتاجه الدول الحديثة من أصحاب المهن والمؤهلات، كما يحدث في كندا أو استراليا أو غيرهما حاليا أو سابقا، فتحول الأجانب تدريجيا إلى أغلبية في الكويت وغيرها، ونظرا لعدم تجنيسهم، ولطبيعة العقود بينهم وبين جهات الدولة التي تتيح فسخها لأي سبب وفي أي وقت، فإن من المفهوم تماما أن تشيع ثقافة إرضاء المسؤولين - الكويتيين بالطبع - بين الكثير من الأجانب، وهو ما قوبل بتفضيل الموظف الوافد على المواطن في عقلية الكثير من المسؤولين!
إنني أعتقد أن أزمة الوافدين وحصولهم على مناصب عليا أو حظوة خاصة في بعض مؤسسات الدولة، هي في الحقيقة ليست أزمة وافدين، بل هي أزمة مسؤول كويتي وعقليته التي تجعله حريصا على إحاطة نفسه بالمستشارين المجبورين في كثير من الأحيان - بحكم «لقمة العيش» - على تنفيذ رغباته وتحصين قراراته، وهنالك بالتأكيد من يقوم بهذا الدور مختارا لا مجبورا، لكن الحديث هو في الإطار العام، ليكون الوضع مصداقا لمقولة: «وراء كل مستشار وافد... مسؤول كويتي»!
هذا في الجانب المفهوم، أما في الجانب الفاسد، فهنالك تجارة الإقامات والتي أكاد أجزم أن الحكومة لا رغبة لديها في القضاء عليها، فكلنا نعلم و«ساكتين» أن من يقف خلف تجارة الإقامات هم «هوامير كبار» أو «أخطبوطات» متغلغلين في جميع مفاصل الدولة، وطالما استمرت هذه المسألة من دون حل فسيتم ارهاق البلاد في اتجاهات كثيرة ليس آخرها الأمن والأمان.
إن مشكلة الوافدين وتعاملنا معها، تذكرني بطريقة تعاملنا مع موضوع التجنيس السياسي أو ازدواجية الجنسية، والتي استخدمها بعضنا للتعريض بأبناء القبائل لأسباب سياسية واجتماعية، بينما نترك المسؤولين الفعليين عن قرارات التجنيس تلك من دون نقد أو حتى إشارة، فإذا كانت الازدواجية أو التجنيس السياسي أمراً سلبياً، لماذا لا يتوجه النقد لصاحب القرار بدل المستفيدين منه، أم أن الوضع ينطبق عليه المثل القائل:
«أبوي ما يقدر إلا على أمي»؟
alkhadhari@gmail.com
Twitter: @dralkhadhari