ثمة مبالغة وتكسب سياسي من الدعوات الرخيصة بطرد الوافدين حيناً وبزيادة الرسوم عليهم دون المواطنين في الخدمات حيناً آخر، وفي كل ذلك الذين يتفوهون بتلك الترهات لا ينظرون للامور ابعد من انوفهم .


بداية ينبغي القول ان الكويت تأسست من وافدين، شأنها شأن البلدان المؤسسة حديثاً مثل الولايات المتحدة الاميركية وكندا واستراليا ونيوزيلاندا وبلدان اخرى كثيرة، وهذا لا يعيب، فالعالم كله تأسست بلدانه من هجرات، وليس هناك ما يدعو للتفاخر باقدمية التأسيس او بالدولة الأعرق، او تاريخ اعرق، لان الحضارة الانسانية لا ينبغي ان تنسب للدول، وانما للانسانية، طالما ان الناس في النهاية ينحدرون من أب ومن أم واحدة، كلكم لآدم وآدم من تراب وقول الحق «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» وهذا عكس ما ينشره الانانيون والجهلة من ألوان البغض والكراهية بين بني البشر.


غير ان هذا لا يعني باي حال من الاحوال الغاء الخصوصية او الهوية الوطنية والغاء الحدود، والتفريط بالأرض، وتفضيل الغرباء على المواطنين، فلا دين او عرف يجعل الناس كلهم يأكلون من إناء واحد، خصوصا وهذا اهم ان الصراع الانساني والأثرة غريزة تفوق غريزة الإيثار، ليس عند شعب بذاته ،و انما عند كل بني البشر.



لسنا هنا في مجال تحويل الموضوع من محلي كويتي الى موضوع اخلاقي انساني، وان كان هناك تداخل بين الاثنين يصح القول ان مسألة التركيبة السكانية لا تعالج بالفوضى، وبقذف أقوال او تصريحات مبتورة، وغير مدروسة ولا مسؤولة من نائب متكسب او نائب يبحث عن الشهرة والنجومية الزائفة، او ان يبقى تحت الاضواء


فالتركيبة السكانية ينبغي ان تُدرس بعناية، وربطها بالوضع الاقتصادي والتنموي، والحاجة لليدالعاملة، فنحن بلد تعتمد على اليد العاملة الوافدة، وتأسس على اليد الوافدة، فلماذا نتناسى او نتجاهل او ننكر كل هذا.؟!



في دراسة بحثية اجريت قبل سنوات على العمالة الوافدة في البلدان الخليجية، كان السؤال: اي البلدان الخليجية المفضلة لدى العمالة للعمل والإقامة؟ وقد حازت الكويت الترتيب الاول على البلدان الخليجية، وهذا يدل على ان الكويت الى جانب كونها دولة قوانين، دولة انسانية لا تُهضم بها الحقوق



من اجل ذلك كان علاج الاختلال السكاني ومسألة فرض الرسوم والضرائب، وما الى ذلك يجب ان توضع في سياقه القانوني والانساني، والوطني والاقتصادي، بمعنى ان ما ينطبق على المواطن ليس بالضرورة أن يشاركه بالحق مقيم وبالعكس، وهذا مطبق في ارقى الدول تقدماً وديمقراطية، لا يمكن أن تكون ثمة حقوق متساوية بين المواطن والأجنبي المقيم، غير أن هذا لا يعني التعسف والتمييز في أبسط الامور كفرض ضريبة الطريق على المقيم واعفاء المواطن، فالطريق واحدة والمنتفع من الطريق هو في النهاية انسان بغض النظر عن الجنسية او الدين.



لعل مشكلة التركيبة السكانية لا سيما بين الوافدين، لا تكمن بأرقامها المتضخمة التي غالبيتها غير مؤهلة وهامشية والتي تفوق حاجة العمل، بقدر ما هنالك اختلال في الأرقام، فهناك جنسيات وافدة فاقت اعدادها الكويتيين، ترى كيف ستتحول الصورة اذا استمر تدفقهم على البلاد بلا كابح، وهذا لا بأس اذا جاؤوا بعقود عمل حقيقية لا مزيفة، ورموهم في الشوارع.



ان دراسة الضرائب وفرض الرسوم سواء على المواطنين او المقيمين، ودراسة التركيبة السكانية كل ذلك مسائل فتية لا يصح ان تخضع لامزجة السياسيين، او لمزاج الشارع، او لترضية دولة شقيقة او صديقة لحسابات سياسية، ولا ينبغي للحكومة ان تسمح وهي السلطة التنفيذية، وهي المعنية مباشرة بقضايا الضرائب والرسوم والتركيبة السكانية بالتجاوز على سلطاتها، كون ذلك يَصْب في صميم مسؤولياتها …


صحافي كويتي

 
Top