وصدق المثل «تمخض الجبل فولد فأراً»... بالأمس، وأنا أتصفح «الراي»، لفت انتباهي خبر يتضمن مقترحاً لأحد النواب الأفاضل يطالب فيه بفرض مبلغ 1200 دينار كويتي كرسوم تتم جبايتها على رخص القيادة للوافدين سنوياً، وبرر مقترحه بأنه «للحد من ظاهرة ازدياد عدد السيارات التي تسببت في تعطيل المصالح الشخصية والعامة لكثير من مستخدمي الطرق».
وقبل فترة، طالبت «نائبة» أخرى بفرض رسوم على الوافدين لاستخدامهم الطرق العامة، وقبلهما كانت هناك مطالبات ومقترحات قليلة جداً جداً، لا تعبر عن نبض الشارع الكويتي العاقل، تصب كلها في خانة التمييز العنصري ضد الوافدين، ما أشاع حالاً من عدم الاستقرار النفسي لدى شريحة كبيرة منهم، بل وسيطرة هاجس مغادرة البلاد على كثير من الكفاءات التي تركتنا أو هي بصدد تركنا إلى دول خليجية شقيقة أو أوروبية توفر لهم الحياة الإنسانية الكريمة وتستفيد من خبراتهم وأعمالهم لتنشيط التنمية الاقتصادية في بلدانهم.
قلت سابقاً، ومنذ سنوات طويلة، وما زلت أحذر من أن هناك اختلالاً في التركيبة السكانية، المسؤول الأول عنه بالدرجة الأساس التواطؤ الحكومي والسكوت غير المبرر من وزارتي الشؤون والداخلية عن جرائم الاتجار بالبشر التي يمارسها ثلة من مافيات الإقامات حتى تحولت المشكلة إلى كارثة اجتماعية تنذر بانفجار... ثم وبكل بساطة تتم معاقبة المجني عليه ومكافأة الجاني الذي اعتدى على إنسانية ذلك الوافد البسيط وسلبه مالاً وأحلاماً وردية ووهبه هماً وغماً وغربة وخوفاً وكوابيس لا تنتهي.
أيها السادة النواب، لا تكونوا عوناً للشيطان على المقيمين الذين شاء الله لهم أن يكونوا معنا أخوة عاملين يشاركوننا بناء وطننا وخدمة أهله مقابل أجر متفق عليه يحدده عقد لا يتم تنفيذ بنوده في الغالب الأعم.
أهل الكويت، أهلي الذين لم أسمع منهم يوماً وأنا على أعتاب الستين ربيعاً، طرحاً تمييزياً أو هجوماً عنصرياً تجاه الوافدين على مدى سنوات عمري الماضية، بل كل ما أتذكره من أهلنا هو الإحسان إلى الوافدين سواء أولئك الذين يعملون في منازلنا أو من يشاركوننا الأعمال الأخرى.
لم يكن مستغرباً ولا شاذاً ولا مستهجناً حينما نرى في كثير من البيوت ربة المنزل مع خادمتها تأكلان من سفرة واحدة وصحن واحد وتتجاذبان أطراف الحديث. هذه طباعهم وهذه أخلاقهم وهذه هي النبتة الأصيلة التي تربوا عليها، الرفعة والعزة بالتواضع والتمكين.
بل أعرف العديد ممن لا يزالون على تواصل ومد يد العون لمن عمل معهم من إخوانهم الوافدين حتى بعد رجوعهم إلى بلدانهم حباً ووفاءً.
ثم إنني أتساءل، هذا الوافد حينما يستخرج رخصة قيادة ويركب سيارة، أليست لمصلحة المواطن الذي يعمل عنده سواءً كان قطاعاً حكومياً أو أهلياً، ثم أليس الأولى المطالبة بإنشاء وتوفير شبكة طرق ووسائل نقل ملائمة بدلا من الحلول الترقيعية، أي إنكم تركزون على العَرَضْ وتهربون من تشخيص ومعالجة المرض!
الرسوم، يا من تعزفون على هذا الوتر النشاز، يتم فرضها مقابل خدمات فعلية تقدم للمواطن والمقيم، وليست على خدمات منقوصة بل ومؤذية للجميع كما هي حال الشوارع المكسرة التي ترجم الناس والسيارت بحصاها المتطاير!
قبل أن تطالبوا بفرض رسوم طاردة للكفاءات والعاملين من الوافدين، استصدروا قوانين تحفظ لهم قيمتهم الإنسانية وحاربوا تجار الإقامات والمتلاعبين بعقود عمل المقيمين، بل واعملوا على استصدار قوانين تجرم الطرح التمييزي العنصري حتى يعيش الناس في ظل قوانين تحمي الإنسان وكرامته وتمنحه الأمن النفسي الذي بات يفتقده الكثير منهم.
المقترحات السطحية بفرض الرسوم العالية والمبالغة فيها بلا مبرر معقول تعتبر «بلية شر علينا الضحك منها وعليها»، لأن المطلوب من الأخوة النواب مراقبة أداء الحكومة وحثها على عمل الصواب وليس المطلوب منها دغدغة مشاعر العامة على حساب الكويت وسمعتها وحقوق مواطنيها والوافدين إليها.
ويبقى السؤال برسم الإجابة... من هو المستفيد الفعلي من الطرح العنصري والدعوات التمييزية ولمصلحة من يتم إطلاق هذه التصريحات؟!
mh_awadi@