في طريقها إلى الحمام تلمح خادمتها الأخرى (الاندونيسية) المختصة بشؤون المطبخ فتطلب منها إعداد الفطور. عندما جلست إلى مائدة الطعام تذكرت فجأة أنها لم تحدد الملابس التي سترتديها لهذا اليوم، فتهم مهرولة إلى غرفتها لتقف في حيرة أمام خزانة الملابس، يقع اختيارها على ذاك الجاكيت الأبيض الخفيف الذي جلبته معها أثناء زيارتها القصيرة لروما الشهر الماضي.
تحدق مذهولة في تلك البقعة الصغيرة التي ربما تحرمها متعة ارتداء هذا الجاكيت الأنيق، تمد الخطى إلى خارج المنزل ليقع نظرها على السائق (الهندي) إلى جوار السيارة لتناديه، تطلب منه الذهاب إلى المغسلة ولا يرجع إلا وقد اختفت هذه البقعة من على القماش.
هناك يتشاور السائق مع عمال المغسلة (الهنود) من أبناء جلدته بشأن هذه البقعة، بدورهم يبثون الطمأنينة في نفسه ويؤكدون أن الأمر جدا بسيط.
تدخل عليها الخادمة معلنة عودة السائق من المغسلة وقد نجح الهنود في سحق هذه البقعة المقيتة والعودة بالجاكيت إلى حالة "ضبط المصنع".
عندما زالت هموم الجاكيت من على كاهلها تنفست الصعداء وأصبح هناك مجالا للتفكير في شعرها، تلتقط هاتفها (الأمريكي) الحديث وتتواصل مع العاملات (اللبنانيات) في الصالون المفضل لها، تطلب منهم القدوم إلى المنزل لأن وقتها اليوم ضيق ولا تستطيع هي الذهاب إليهم.
دقائق معدودة وتنزل العاملات من السيارة متحفزين لإنجاز المهمة. بعد ذلك تكتمل طلتها وتتأكد من الجاهزية التي تمكنها من الوقوف أمام الكاميرات والتحدث إلى وسائل الإعلام.
تنظر في ساعتها لتكتشف أنها معطلة وأنها تحتاج إلى تبديل البطارية، تنادي السائق الجديد (البنغالي) وتوصيه بأن يذهب إلى سوق (الساعات) ليبدل بطارية الساعة عند ذلك (الباكستاني) الذي ترتاح إلى عمله وتثق في أمانته.
تنادي بنبرة صوتها الواثقة على الخادمة القديمة (السيلانية) لتجلب لها ساعة أخرى . تنظر إلى عقارب ساعتها لتهمس إلى نفسها بأن لديها مساحة من الوقت لاحتساء فنجان من النسكافيه. تنادي الخادمة التي وصلتها أخيرا من (غانا) وتطلب منها إعداد مشروبها المفضل. تمسك بفنجان القهوة بالحليب وتستطلع الفضاء الخارجي من خلال زجاج النافذة. ترتشف النسكافية فتقع عينيها على الخادم في الخارج وقد انتهى من تنظيف سيارتها بعد أن غمرها بالماء والصابون.
تنظر إلى ساعتها للمرة الثالثة وتقرر الفرار إلى الشارع في طريقها للمجلس. بمجرد أن تضغط على دواسة البنزين تكتشف أن صوت المحرك ما زال مرتفعا وغير طبيعي، تفكر في قرارة نفسها أن تتصل بالميكانيكي (السوري) لكي يفحص السيارة ويعالج الخلل ولكنها تتراجع عن الفكرة وتفضل أن ترسلها مع السائق إلى ورشته في شارع (الورش) لاحقا.
بينما تستدير للخروج من حديقة المنزل يلفت انتباهها المنظر الجذاب للأشجار والتي لم تكن بهذه الصورة بالأمس. تأكدت أن العمال (الوافدون) أتوا في الصباح الباكر لقص وتشذيب الأشجار بهذه الطريقة الجميلة.
أثناء خروجها إلى الشارع العمومي تلمح عامل البلديه (الوافد) ببزته الصفراء ينحني على الأرض لالتقاط بعض الوريقات وعلب السجائر الفارغة والتي يقذفها سائقي السيارات على الأرض يوميا، تشفق عليه وتقرر العودة قليلا بسيارتها إلى الوراء، تفتح الزجاج بجانبها وتنادي عليه فيستقيم جسده المنحني ويرتفع وجهه عن الأرض ملبيا للنداء. يهرول المسكين إلى السيارة مكفهرا من حرارة الشمس والعرق يتساقط من كل جزء في وجهه. تمد هي يدها في حقيبتها لتخرج بعض النقود وتعطيه ما فيه النصيب فتنفرج أساريره ويظهر بياض أسنانه الصافي داعيا المولى أن يزيدها من كرمه.
لسوء حظها تكتظ الشوارع بالسيارات في هذا الوقت ولكنها تناضل إلى أن تصدها الاشارة الحمراء على شارع البحر. تنتابها حالة من الغضب الشديد من هذا الكم الهائل للسيارات، تلتفت يمينا لتلمح بجوارها سيارة بداخلها مندوب (مصري) استغل توقفه في الاشارة ليقلب في بعض الأوراق، وعلى اليسار سدت عنها الشمس سيارة كبيرة مكتوب عليها " الجمعية التعاونية" وقد رسم عليها شعار الجمعية وعلى عجلة القيادة ينكفئ سائق من جنسية (أسيوية) يبدو أنه قضى ليله في توصيل البضائع إلى الجمعية.
بينما تفكر في هؤلاء البشر الأغراب وتسببهم في الزحام والضغط على الطرق والخدمات لم تلتفت إلى تبدل الإشارة إلى اللون الأخضر، استفاقت على صوت غليظ لآلة تنبيه منبعثة من السيارة التي تقف خلفها. تنظر في المرآة الجانبية لتلمح سيارة كريسيدا موديل الثمانينات قابعا بداخلها وافد يبدو أنه (فلسطيني أو أردني) ناقم قرر أن ينبهها إلى تبدل الإشارة.
تستشيط هي من الغيظ لأن هذا الوافد أزعجها بصوت ألة تنبيه غليظة ومقززة، وربما لو كان الصوت صادرا من سيارة كورفيت أو لامبرجيني أو حتى فولكس لكانت حدة الغضب هينة وخفيفة، وربما لم تغضب من الأساس.
بعد معاناة شديدة تصل إلى جراج المجلس ليهرول إليها العامل (البنغالي) كي يساعدها في ركن سيارتها، تنسى ما حدث معها في الطريق وتسلم حقيبة أوراقها لعامل (يمني) يضطر لأن يحبو ورائها بخطوات بطيئة ولا يتقدم عنها خطوة على الرغم من كرهه للمشي البطئ. يضع حقيبتها في المكان المخصص لها والذي يعرفه جيدا ثم يهم منصرفا.
بسم الله نفتتح الجلسة، فلتتفضل سيادة النائبة الفاضلة بالكلمة.
قبل أن أتحدث فإنه يدور في ذهني سؤالين في غاية الأهم ي ة، لم تكمل كلمة الأهمية وانقطع الصوت عن الميكروفون، تنظر في الخلف فيقفز عامل الصيانة الهندي بسرعة ليصلح العطل في ثوان معدودة، يعطي الرجل ظهره للمجتمعين منصرفا كي تكتمل الجلسة وأثناء خروجه من القاعة يسمع النائبة الفاضلة تقول مرة أخرى عندي سؤالين في غاية الأهمية وقد أمسكت بورقة أعدها لها المحامي (المصري)، أما الأول فهو ماذا يجب علينا أن نفعل تجاه قرارات ترامب العنصرية؟ والثاني وهو الأهم ماذا يفعل الوافدون في شركتنا؟
يستدر الطبيب المصري والمهندس المصري والصحفي المصري والمدرس المصري والسباك المصري جميعا حيثوا كانوا حضور لمجلس ادارة الشركة التي تشغل فيها النائبة منصب نائبة لرئيس مجلس الادارة.
تعتدل النائبة.. نائبة رئيس مجلس الادارة وتقول.. انهم وافدون أتوا والتحقوا للعمل بشركتنا.. وتكمل.. ماذا يفعلون في شركتنا؟؟
يفكر عامل الصيانة بالعودة ليرد على هذه الأسئلة ولكنه يتذكر أبنائه الذين تغرب عنهم ويمر في ذهنه سريعا الظروف المتردية في بلاده فيكتفي بالالتفات إليها ويرمقها بنظرة من التعجب الممزوجة بالحسرة والألم.
تحاول النائبة أن تكمل.. ولكن الرئيس يردها قائلا.. ؟؟؟؟؟.. ثلاث مرات.. أما عبدالله فيقول.. سيادة الرئيس.. نريد أن نفتح ملف الفساد للشركة.. شكرا.